التعبير:
الذين
يتحدثون من غير تفكير هم الذين لا أثر لهم في المجتمع ولا سحر في شخصيتهم
ولا وزن لكلامهم. لذا إياك أن تنقل خبرًا مالم تفكر في الخبر نفسه، في طريقة نقله،
وفي الفائدة من نقلة، وفي الأثر الذي يتركه الخبر في نفس من تنقله إليه.
لا تنشد الاستحسان:
كل كلام يقال بغيه الاستحسان، يضعف تأثير قائلة في النفوس وكل تصرف يتصرفه
المرء بغيه إثارة الإعجاب بشخصيته، لأنه يجعل صاحبه عبدًا من عبيد الناس.
ينبغي لك أن تهتم أكثر بالخير لنفسه، وبالحب لنفسه، وبالعدل لنفسه،
والنزاهة لنفسها وأن تضرب صفحًا عن كل ما يرافق هذه المعاني من تأويلات سيئة،
مغلوطة ، هذا هو الاستقلال الصحيح.
انتبه دائمًا:
الحركات
العفوية، والتصرفات اللاوعية، والعادات التي تأصلت ولم يبقي لفكرك فيها يد، هي
التي تضعف شخصية كل إنسان، عليك أن تكون يقظًا دومًا منتبهًا لكل ما
يخالجها من عواطف، ويراودك من أخيلة، ويصدر عنك من تصرفات وإشارات وحركات وكلمات
واعمال.
وهذا
الانتباه المتصل القوي الشامل يجعلك
ناقدًا لا علي نفسك ونفوس الناس فحسب، بل علي القوي الطبيعية وآلية الأحداث التي
تسبح في محيطها، حتي ليمكنك في بعض الأحيان أن توجهها وتتحكم في سيرها.
أين تبدأ السيطرة ؟
تبدأ
السيطرة علي النفس عندما يتخذ الإنسان قرارًا بالامتناع عن عمل أو بالتزام حاله
معينه في وقت لا يكون فيه ما يدعوه أو يغريه، غير احتكامه إلي عقله وفكره، ففي
اللحظة التي يبدأ فيها سيرته وفق ما يفكر، لا وفق ما يوحي إليه، أو يفرض عليه،
يحكم نفسه، وحكم النفس (أي إلزامها بانتهاج خطة معينة ) لا يمكن أن تتم عمليًا إلا
عندما يستهدف الإنسان غاية شاملة عامة تتجه جهوده إليها.
لابد لمن يريد أن
يسيطر علي نفسة من غاية يبرر بها وجوده
والواقع
أن كل جهد يبذل لمراقبة النفس من أجل غرض خاص يأتي فورًا بنتيجتين الأولي: أنه يسهل تكرارة ، والثانية: انه يقوي الإرادة الواعية ويخضعها لقابيلة التأثير بالتفكير المنطقي.
والوسيلة إلي تحقيق ممكنات النفس في السيطرة علي النفس
تقوم أكثر ما تقوم في بذل الجهد الواعي.
فإذا
اولعت بحكم نفسك وسيادتها، كان ذلك وحدة شهادة كافية علي أن ك تحسنت أو أنك سائر
في طريق التحسن وصفاء الذهن يكفي لتوجيهك نحو تحقيق ممكناتك المغمورة الدفينة.
إن
سيطرتك التامة علي نفسك تساعدك حتمًا في توسيع ممكناتك، ثم ما التحسينات التي تريد
إجراءها في داخل حياتك الذاتية، في فرديتك وايه كفاءة تريد أن تحصل؟
...ضع
نصب عينك الأسئلة الآتية:
- إلي
أي مدي تتحكم في غرائزك، من وجهة فسيولوجية بحتة ؟
- إلي
أي مدي تسترسل مع التأثر، مع الطيش، مع الإفراط، مع الجمود ؟
- ما
مدي سلطانك ، من الواجهة النفسية ، علي تأثراتك وانفعالاتك وحساسيتك بشكل عام ؟
- أ
أنت مسرور، أمن راضي عن نشاطك في حقل المباديء العامة، والمثل العليا الصحيحة؟
- إلي
أي مدي تشعر أنك قادر علي الإنتباه الإرادي المتصل؟ علي النشاط الذهني؟ علي
الملاحظة الدقيقة؟ علي تفسير ملاحظاتك وقراراتك؟.
ـــــــــــــــ
أن تحسين التفكير،
كتحسين العمل والتصرف، كتحسين كل هذه التطلعات والمطامح، لا تتحقق ولا يبلغها
المرء إلا بشيء واحد، ووسيلة وحيدة هي السيطرة علي النفس.
هناك من تمكنوا من
تلك السيطرة، لأنهم واجهوا ومازالوا يواجهون غرضًا أسمي ، أو لأنهم
أولعوا بالغرض الأسمي ولعًا عاليًا مترفعًا، ولكن هناك أيضًا من يشعرون بمرارة
وألم بعدم كفاءتهم العقلية، وضآلة نشاطهم الذهني التي تحرمهم الجد والإجتهاد ومراس
العمل الضخم في الدرس والتنقيب والملاحظة وما إلي ذلك مما يتطلب انتباها مستمرًا دقيقًا.
علي أن العقبات
الكبري التي تعترض هؤلاء في أغلب الحالات، إنما تقوم وتتركز في الإضطرابات
والمشاكل العاطفية التي يراد التغلب عليها وحلها، ومن إغراق في التأثير، إلي سرعة
انفعال، إلي غضب يستولي توًا ودومًا، إلي خضوع لموحيات البنية الخاملة ... تعلم
دومًا أن تقول : لا ، حين تجرك نعم التي قلتها عن خجل، أو تأثر، أو طمع بلذة، أو استرسال مع
عاطفة، إلي مالا تحمد عقباه، سواء في حياتك أو في حياة الآخرين.
تعود أن تقول لنفسك لا عندما تهزك النفس إلي عمل لم تفكر
فيه من قبل، ولم تدرسه من جميع جوانبه، وأن تقول لغيرك لا عندما يوحي إليك بمشروع أو فكرة أو عمل لم تتحقق منه، ولا كونت فيه رأيًا
خاصًا، وبذلك وحده، تخلص من كل حلقة مفرغة من سلوكك، وبكلمة لا والوقوف عندها،
لنفسك ولغيرك، تسطيع أن تفكك كل حلقة تقيد نفسك، وتجعلك عبدًا من عبيد الشهوات
والأهواء.
ومراقبة الذات تتلخص في أن لا تضيع عن الهدف، أن تظل واعيًا بكل وضوح من حياتك الداخلية،
من التأثيرات التي تتلقاها، ومن الأفعال التي تقوم بها.
....
ولاحظ أأنت تنفذ إرادتك الخاصة بك، أم هي إرادة غيرك تملي عليك خفية وأنت تنفذها،
وإذ ذاك تكشف الدور الذي تؤدية الإيحاءات المتناقضة في حياتك، والجانب الذي يشغله
اهتمامك باستحسان الآخرين، وفي سلوكك، والمصير الذي يقودك إليه عدم الإنتباه، إذ
كنت لم تنتبه ، لأو كنت تنساق مع التيار. هذه التأملات الواعية تؤدي بك إلي تبديل
طباعك..
لا تسمح لأحد، كائنا
من كان، أن يجرك إلي التضحية بوقتك وطاقتك بحثًا عن رد محكم او جواب مفحم، أو
القيام بمشاحنات لا طعم لها ولا جني منها، فإن اجترار الضغائن، وتوثبات البغض
،والتأملات الود الناجمة عن غريزة الانتقام، توازي جميعها إشاعة الفوضي في داخل
النفس، وتقتل جيوية الفكر البناء، وكلاهما مما يقد عيني الخصم، فهو يرضيه أن تفعل بنفسك مالا يقوي غيرك علي فعله
بها ، في داخلها.
ثم أننا نشع، أي
نرسل من أنفسنا إشاعات، خلال الأبعاد، ذات نفوذ ذهني ، يجعل الأفكار العدوانية
تنعكس علي أذهان من نعاديهم، فتوجد في أنفسهم أفكارًا عدوانية مضادة لنا، مشابهة
لأفكارنا عنهم.
حكم النفس والسيطرة عليها:
أن تطبيق سائر القواعد والأفكار
التي تؤول إلي حكم النفس والسيطرة عليها، لا يتحقق إلا بعد زمن يطول أو يقصر،
ويتمرس المرء أثناءه بصراع عنيف مع عاداته وعفوياته القديمة،إذ لابد من نضال بين
هذه الأفكار الجديدة والعادات القديمة.عليه أول الأمر أن يهزم التثبيط الذاتي الذي
يميل إلي الاستئثار بالذهن والاستحواذ عليه كلما حاول أن يسير في منهجه الجديد، أي
لا بد له من محاربة المثل الشائع " الطبع
أملك أو الطبع يغلب التطبع "، فالنقطة الأساسية الا يتأثر ، وألا يمتنع عن
المحاولة، موحيا لنفسه دوما أن قادر علي امتلاك طبعة السابق والتغلب عليه.
ثم عليه ، وفي الدرجة الثانية، أن
يقاوم الإيحاءات الخارجية، فإن الوسط الذي تعيش به، يحمل أفكارًا خاطئة، عتيقة
بالية، عنك وعن الحياة عامة والمجتمع والناس، فواجبك أن تمتنع عن تلقف هذه
الإيحاءات، وأن تنبه لما فيها من خطر انتباهًا كليًا يجعلك أقوي منها، لتسطيع أن
تغير طباعك.
ولا مفر لك أخيرًا، وأنت تبغي
السيطرة علي نفسك، من الامتناع عن كل ثرثرة، ومناقشة، وجدل ، وأن تحتفظ بسرية
دراساتك ومحاولاتك فهذه السرية وحدها هلي السبيل الأفضل لبلوغ النتائج التي تنشدها
بسرعة واتقان.
الثبات:
كلما ارتفع الإنسان درجة في سلم
السيطرة علي نفسه، زادت ثقته بها ، وكلما تأكدت له كفاءته، أو قدراته علي مراقبة
حياته النفسية، ارتفع فوق الوسط وأخذ في التحليق صعودًا بيد أن هذه القدرة علي
مراقبة النفس ، من تلقاء النفس، لا تحصل إلا بالجهد الواعي المدروس، فالأفعال التي
تقوم بها لإمتلاك نفسك وأنت وحيد، متحرر من كل عبودية آمرة أو ناهية، بعيد عن
الشهود ، تتكاتف كلها فيما بينها وتتألف معك لتزيد شعورك الداخلي العميق بثباتك،
وثقتك بإستعداداتك المبدعة الخلاقة، بل إن تلك الأفعال نفسها تولد ضربًا من الثبات
المطمئن الوعي، الذي تحس به أنك مرتاح، مغتبط، في أي ظرف ، وفي حضرة اي شخص.
... لابد من تمييز الثقة بالنفس،
مصدر الصلابة، من الإدعاء فالأولي -
الثقة بالنفس – نتيجة جهد وتفكير ووعي وإرادة ونضال مرير الشهوات والإنفعالات
والتأثيرات، أما الإدعاء فينجم عن خصب في الأخيلة التي يثيرها الولع بالنجاح
ويخمدها أول ارتطام بالواقع، حتي إذا ارتطمت تركت النفس خائرة متخاذلة، والثقة
تنبع من قناعة واقتناع عميقيين أو جدتهما الاختبارات والتأملات والتجارب، والإدعاء
يستقي وجودة من أشياء زائفة خارجة عن الوقائع، فالمدعي يقرر ويمضي من غير أناه
وروية، سواء في قراراته أو في مضيه بها.
أن من امتلك نفسه بعد مقاومات
مستمرة وامتناعات ذاتية مدروسة أصبح واثقًا من حقيقة واحدة، تجر وراءها سائر حقائق
سلوكه أو سيرته، وهي أنه يستطيع أن يرفع مستوي استعداداته، وأن يقدر من ذاته بذاته
ممكناته ووسائله وأهدافه، بكل هدوء وبرودة من غير زيادة أو نقصان، ودورن تأثر بعطف
ينفقه سدي علي نفسه، وبذلك يثبت ويثبت من مواقفه في حياته الخاصة وحياته العامة.
استقامة المظهر:
إنما
يستقيم المرء بمقدار ما يراقب نفسه ويسيطر علي اختلاجاتها ولواعجها وأشجانها،
ويصرف همومها فيما يعود عليه بالنفع والهدوء
الخارجي ومن اتخذ موقفًا شديدًا، متصلبًا، بعيدًا عن كل تأثيرا أو انفعال،
متيقظًا لكل طارئ ، نافيًا به كل استرسال أو إهمال، يفرض في النهاية نفسه علي
غيرة، ويجتذب إليه القلوب، ويصبح في غبطة عميقة مما حقق وجاهد به نفسه.
...لا
تسمح لأحد أن يكلمك بما صممت علي أن تتجنب الخوض فيه من احاديث، أو يستزلك عما قرر
أن تصمد عنده، وتعلم أن ترفض بأدب، وان تعبر عن فكرك ببراعة حين يقضي الأمر أن
تتكلم، وأن تدير الحديث بشكل موضوعي أمام من لا يشاطر الرأي في قضية أو حادث أو
اتجاه او عمل.
الاستقلال:
حاول
دومًا وأبدًا أن تسيطر علي مظهرك الخارجي كلي لا تفقد استقلالك النفسي، فأنت تمر
يوميًا بسلسة مؤثرات خارجية من شأنها أن توحي إليك معاني لا تقرها في ذاتك، ولا
ترضي عنها في قرارة ضميرك، بل يذهب بها الشأن غلي أبعد من الإيحاء، كأن تجرك إلي
أعمال لا تمثل حقيقتكـ، وتدخل الفوضي إلي جهاز تفكيرك، ومنهجك العام.
التكيف:
إن
من يقف موقفًا هادئًا، رصينًا، ويجهد ألا يتعرض لنوبات المزاج حتي يتحول إلي قوة
متماسكة في جميع الحالات والظروف، يمحق أو يحول أو يغير كل عناصر النزاعات
والإختلاف، فإنصاف الجميع، وإعطاء كل ذي حق حقه، يوحي حتي إلي من كان فظ الطبع،
استعداد طيبة وتقبلًا حسنًا لما يفرض عليه من آراء وأفكار حين تعرض عليه من آراء
وأفكار حين تعرض بلباقة واناة وجزم.
فكر إذن واعمل وفق
دراستك مع نفسك مستقلاً بما يخصك، ولا يخص غيرك واستعمل التسامح ، التام اتجاه
الآخرين.
العواطف:
إن
عواطف الشخصية شىء، والواقع شيء آخر ، وإن واجباتك ونحن نفرض أنك سيطرت علي نفسك،
تحتم عليك ألا تأبه لهذه العواطف إلا في حدود جد ضيقة.
هذا
لا يعني أننا لا نريدك أن تكون متحجرًا ، أو أن تضرب عرض الحائط بكل عاطفة، بل علي
العكس، فإن كل ما نرشدك إليه يستهدف أن تخضع عاطفتك للأمتحان، وتتملي قيمتها
وآثارها في سلوكك، وفائدتها لمن تظهرها نحوه كي تتمكن من حكم نفسك في الحياة
الخاصة، والسيطرة عليها ، وإفادة غيرك، وتحسين إنتاجك والعاطفة الواعية الموزونة
تربح هي نفسها، في العمق والقوة، حين تخضع للفكر النير، بينما تطرفها يسئ إليك
بنسبة ما يسئ إلي موضوع عاطفتك.
الحالات المعنوية:
أن الكآبة نفسها
تشوه كل ما يحيط بالكئيب، وكل من يتصل به، حين تثبت وتتبلور، ففي هذه الحالة تصبح
أقرب الأشياء أبعدها عن القلب، وأثقلها علي النفس، ولكن الذي يشوه في نظر الكئيب
المتشائم هو الإنسان نفسة وبعبادة أوضح ، يصبح الفاشل قصير النظر، ضيق الأفق، ضعيف
البصيرة في تفهمه للأشخاص، للناس، وتصطبغ الحياة بلون فشلة، فلايري بعد غير الأسي
والخيبة والمرارة فيجمد ويتخاذل.
وأولي نتائج
التخاذل ، أنه يوحي بالأفكار والتصرفات التي تجعل المتخاذل مصيبًا في رأيه ويمده
بالبراهين والحجج الدامغة تؤيد مذاهبه في الفهم والسلوك.
... وهكذا ، تري
المتشائم بنقب تنقيبًا ، عن طريقة يجعلك بها يائسًا منه، نافرًا حتي تتركه مهجورًا
، ويحملك في نفسه، عندئذ، تتبعه هجرانه والنفرة منه، كأن ثمة ، وفي قرارته، عفريت
يسوقة حتمًا إلي هذا المصير المضطرب الحزين، ومتي عرف الناس أنه لا يمكن إرضاؤك أو
إدخال السرور علي قلبك، بحال من الأحوال، فأعلم أنك تلقي بنفسك في الفراغ، فالناس
لا يحبون أمرًا لا يملكون القدرة علي إرضائه، ولا يحبون امرأة لا تريد أن ترضي
أحدًا علي الصعيد الآخر.
... تأمل أن الإنسان
يمر، في حالة الثقة، بلحظات يستحيل معها عليه أن تستوقفه خطئية، أو تسترعي انتباهه
زله أو عثرة، وجميع حوادث الحياة، خلال الثقة، تتجه نحو التفاؤل ، وتنبعث عنه،
وتتدفق صور المستقبل ، وذكريات الماضي علي الذهن أثناءها موسومة بالثقة وتتحرك
تحركًا حيًا ناشطًا بوحي منها فكل ما يخذل أو يوهن، أو يشل الهمة، يصح غريبًا عن
الوجدان والوجدان يضرب صفحًا عنه ، أو يطرحة أرضًا، علي نحو من الوعي واللاواعي،
غريب، عجيب، تحذف به كل الحالات التي تسئ لحركة النفس نحو النجاح.
والإنسان يشعر إلي
ذلك في جو الثقة والتفاؤل، أن الوسط الطبيعي والإجتماعي الذي يتقلب فيه، يشجعة
ويمده بالعزم والنشاط.
في المشاركة القادمة منابع الطاقة الكبري ^ ــــ ^